تصريح الرئيس الإسرائيلي أولمرت الذي قال فيه أنه بكى تأثراً من أحد المشاهد الذي ظهر فيها رجل فلسطيني وهو يبكي بعد أن فقد أبناءه أثار سخرية واسعة، وتم تشبيهه بالتمساح الذي يبكي بعد أن يفترس ضحيته، والحمل الذي يخبئ تحت فروه جلد ذئب عديم الرحمة.
مهما كان من هزلية هذا التصريح فإنه من زاوية إعلامية يعتبر تصرفاً صحيحاً، حتى لو شاركت في مجرزة فليس من المنطقي أن ترسم ابتسامة واسعة على شفتيك. وفي الواقع لن ينتقد أحد إذا ما بكى أولمرت أو ضحك فهو بالنسبة للغالبية مجرد عدو، والذين تم قتلهم ليسوا أبناء شعبه.
ولكن العجيب في الأمر هو الظهور الإعلامي المخجل لقادة الحماس وبالأخص خالد مشعل وإسماعيل هنية. لقد قدما خلال الحرب الإسرائيلية على غزة أسوأ صورة إعلامية يمكن أن يقدمها قائد أو زعيم في الوقت الذي يتعرض أبناء وطنهم للسحق التام. في الواقع إذا كانت هذه الحرب سيئة على أرض الواقع بالنسبة للفلسطينيين فهي كارثة على مستوى الإعلام بالنسبة لقادة حماس.
الإعلام لديه القدرة على إظهار الشياطين بصورة الملائكة، والتاريخ أطلعنا على عدد من الزعماء الذين استخدموا الإعلام في تبييض صورتهم المشوهة وقلب الحقائق لصالحهم، ولكن في هذه الحرب أظهر مشعل وهنية أسوأ قدرة على التعامل الإعلامي، وقدما نموذجاً على انعدام المسئولية والصفاقة الإعلامية.
ففي الوقت الذي كان يطحن فيه أهالي غزة يخرج خالد مشعل بتصريح يقول فيه أن ما حدث في غزة مجرد أذى عابر. هل هناك أسوأ من هذا التصريح الذي يرى الجثث والمجازر التي تحدث في الناس الأبرياء مجرد أذى عابر؟!. مثل هذا التصريح لو حدث في أي مكان آخر ربما لخسر الشخص الذي يطلقه مكانته إلى الأبد، وهو يفتقر ليس فقط إلى الحكمة السياسية ولكن إلى أبسط مبادئ التعاطف الإنساني.
ويظهر أولمرت وهو يبكي حتى لو كان زيفاً ولكن مشعل يظهر وهو يرسم ابتسامة ميكانيكية على وجهه وهو يريد أن يبعث رسالة للإعلام تعبر عن الصمود والنصر، ولكن هذا أسوأ فهم إعلامي يمكن أن تشهده هذه الأيام. لم تعد الابتسامة تعني النصر والصمود كما يعتقد مشعل بإصراره على ابتسامته ورفع رأسه في خطبه، بل إنه ظهر بصورة الرجل الذي يرسم ابتسامة فارغة في
الوقت الذي تظهر القنوات الأخرى مشاهد انتشال الجثث من تحت الأنقاض. يعتقد مشعل عبر اتخاذه مثل هذا التكتيك الإعلامي أنه يتقمص شخصية المنتصر، ولكنه في الحقيقة يتقمص شخصية البطل الهزلي الذي يحتفل بخسارته المريرة. إسماعيل هنية أيضاً أبدى هذا القدر من الفشل واللامسئولية الإعلامية عندما قال في واحد من تصريحاته العجيبة بأن حماس ستصمد حتى لو سحقت غزة بأكملها. هذا التصريح يبعث برسالة واضحة تستخف بدماء الناس وأرواحهم وكأنه لا قيمة لهم. أما ضحكاته فهي تليق بشخص خارج من مسرحية هزيلة وليست من مجزرة. الأمر الأسوأ من ذلك أن قادة حماس كانوا مشاركين في دفع إسرائيل لارتكاب مثل هذه المجزرة الفظيعة، عبر استفزازها في البداية، ومن ثم احتماء مقاتليها في الأماكن المدنية، والإصرار على موقفها وأيديولوجيتها حتى لو ذهب كل سكان غزة، كما قال هنية. أي أنهم ليسوا فقط ضحايا وإنما أسباب رئيسية في ذلك، ومع هذا لم يظهروا أي تعاطف لأشخاص مشاركين حتى لو كان مزيفاً على شاشات الإعلام، وإنما ظلوا يرسمون ابتساماتهم ويطلقون تصريحاتهم عن الصمود والانتصار. أنهم يستخدمون مثل هذه الحيلة والتمثيل الإعلامي من أجل إقناع الماكينة الإعلامية الساذجة التي تصفهم بالمقاومة الباسلة، وهي ذاتها الماكينة الإعلامية التي وصفت في السابق عبد الناصر وصدام حسين بالأبطال على الرغم من الهزائم الفادحة والقتلى التي تسببوا بها. ولكن إذا كان ذلك نجح في السابق فإنه لن ينجح الآن، وأفضل عمل إعلامي يقوم به قادة حماس هو أن يمسحوا هذه الابتسامة ويظهروا بعض التعاطف ويتعلموا من ذكاء أولمرت!.